الخميس، 22 أغسطس 2019

هل معجزات المسيح دليل على ألوهيته

هل معجزات المسيح دليل على ألوهيته

يقولون إنَّ المسيح ♠ هو الله لأنَّه خلق طيرًا، وماذا عن الآية التي تقول: تبارك الله أحسن الخالقين؟!
قال تعالى: ▬وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ♂ [آل عمران 49]
وإليكم عِدَّة مُلاحظات: الآية تُصرِّح بأنَّ المسيح ♠ رسولُ اللهِ إلى بني إسرائيل، وليس إلهاً مُتجسِّداً إلى بني إسرائيل! وتُصرِّح بأنَّ ما فعله المسيح ♠ مُعجزة من الله ▬قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ♂، فكيف يكون هو الله ويأتي بمُعجزة من الله؟!
سؤال في غاية الأهمية: هل خلق المسيح طيراً بالفعل؟!
الإجابة: (لا)!، المسيح لم يخلق طيراً، فالآية تقول: ▬أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ♂، لاحظ عبارة ▬كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ♂! أي أنَّه فعل كما النَّحَّات، ينحت من الطِّين على هيئة طير، ويُمكن لأيِّ شخصٍ أن يفعل ذلك!
ولكن قد يقول أحدهم أنَّ المسيح ♠ نفخ في هيئة الطَّير فأصبح طيراً، إذاً هو الله؟!
ليس صحيحاً! فالآية تقول ▬فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ♂، بإذن الله، وليس بإذن المسيح ♠ نفسه، فكيف يكون هو الله ويقول أنَّ الآية بإذن الله؟!
ببساطة: لو أنَّ الله عزَّ وجلَّ أذِنَ لي أن أنفخ في ورقةٍ فتتحوَّل إلى طَيرٍ يطير، فما الإشكال إذا كان الأمر مُتعلِّقاً بإذن الله وليس بإذني ولا بإرادتي؟!
سؤال آخر في غاية الأهمية: ما معنى كلمة «خَلْق»؟!
الخلق في اللُّغة معناه: «التَّقدير أو الإبداع» (المُعجم الوسيط)، فالخَلق نوعان:
النوع الأول هو الخلق الإبداعي: مثل ما نجده في قوله تعالى: ▬بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ♂ [البقرة 117].
النوع الثاني هو الخلق التَّقديري: أي التَّحويل من صُورةٍ لأخرى، مثلما يفعل النَّجَّار، فيُحوِّل الشجرة إلى كرسي.
كيف نُفرِّق بين الخلق الإبداعي والتَّقديري؟، هل كان فعل المسيح ♠ خلقاً إبداعياً أم تقديرياً؟!
الفرق في ثلاث نِقاط، وهي أنَّ «الخَلْق الإبداعي» لا نستطيع أن نفعل مثله، ويكون خلقاً على غير مثالٍ سابقٍ، يكون خلقاً من عَدَم. أمَّا «الخلق التَّقديري»، نستطيع أن نفعل مثله، يكون على مثالٍ سابقٍ، يكون خلقاً من مادَّةٍ أخرى مخلوقة!
تعالوا الآن نُطبِّق هذه النِّقاط لنعرف إذا ما كان فعل المسيح ♠ خلقاً إبداعياً أو تقديرياً.
هل نستطيع أن نخلق من الطِّين كهيئة الطير؟! نعم!
هل المسيح خلق على مثالٍ سابقٍ؟! نعم!
هل المسيح خلق من مادَّةٍ أخرى مخلوقة؟! نعم!
إذن، نستطيع أن نُصنِّف فعل المسيح ♠ على أنَّه كان خلقاً تقديرياً وليس خلقاً إبداعياً.
سؤال آخر في غاية الأهمية: هل تُطلق كلمة «خَلْق» على الأشياء المصنوعة؟! وهل تم استخدام كلمة خلق مع آخر غير المسيح ♠؟!
تأمَّل هذه الآية جيِّداً: ▬إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكا♂ [العنكبوت 17].
«تخلقون إفكا»، أي: تقولون كذباً، أو تصنعون كذباً، فكلمة «تخلقون» دلَّت على الصُّنع، فهل الكذب مخلوق؟!
أيضاً تأمَّل هذا الحديث الموجود في (صحيح البخاري): «إنَّ أصحابَ هذه الصّورِ يُعذَّبون يومَ القيامةِ، ويُقال لهم: أحيوا ما خلقتُم»، في الحديث، قيل على الصّور أنَّها مخلوقة، وهكذا تم استخدام كلمة «خَلْق» مع آخرين غير المسيح ♠.
وماذا عن قوله تعالى: ▬فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ♂ [المؤمنون : 14]، هل هُناك خالقين غير الله؟!
وللرَّدّ نقول أنَّنا أوضحنا أنَّ الخلق نوعان، هما الإبداعي والتَّقديري، النوع الأوَّل خاصّ بالله عزَّ وجلَّ وحده، والنوع الثاني عام، يُنسب للخالق، ويفعله المخلوق أيضاً، وهذا حقيقي من ناحية اللغة العربية، كما وجدنا في الآية والحديث.
▬أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ♂، أي: أتقن الصَّانعين، فيُقال لمن صَنَعَ شيئاً: خَلَقه؛ وهذا ثابت في معاجم اللغة العربية.
وهكذا يُبيِّن الله عزَّ وجلَّ لنا أنَّ بني آدم قد يُصوِّرُون ويُقدِّرُون ويصنعون الشيء، ولكنَّ الله خير المُصوِّرين والمُقدِّرين والمُبدعين.
سؤال هام: ماذا عن مُعجزات المسيح ♠ الأخرى، مثل إحياء الموتى وشفاء المرضى؟!
قال تعالى: ▬وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ♂ [آل عمران 49]
هذه المُعجزات مثلها مثل المُعجزة السَّابقة، مُعجزات وآيات من الله، تدل على أنَّ المسيح ♠ رسول إلى بني إسرائيل، لا تحدث إلَّا بإذن الله، بالإضافة إلى أنَّ المسيح ♠ لم يتفرَّد بمثل هذه المُعجزات!
نجد أنَّ موسى ♠ أقام ميتاً، وذلك عندما ضرب الميت بجزء من بقرة بني إسرائيل (البقرة: 73)، وأنَّ النبي محمد ﷺ شفى المرضى وفعل الكثير من المُعجزات.
نُقطة هامَّة جداً: قد يُميِّز الله بين الأنبياء والرُّسُل بمُعجزات خاصَّة، فسيدنا إبراهيم ♠ نجا من النار، والله عزَّ وجلَّ وهب سيدنا سُليمان ♠ مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وسيدنا موسى ♠ شقّ البحر بعصاه، فهل كان للمسيح ♠ مثل كل هذا؟ بالطـــبع «لا»!
القضية الرئيسية هي: هل كانت هذه المُعجزات بقُوة ذاتية من هؤلاء الأنبياء والرُّسُل، أم أنّها كانت عطيَّة وهِبَة من الله؟!
ما دام الثابت هو أنَّ هذه المُعجزات من الله، وبإذنه، فلا يهمنا في الحقيقة طبيعة أو نوع المُعجزة نفسها، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ سخَّر الرِّيح لسيدنا سُليمان ♠، تجري بأمره، وسخَّر له الشَّياطين والجنّ، وفي نهاية ذكر هذه المُعجزات، قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم: ▬هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ♂ [صـ : 39]
المهمّ أنَّ الثَّابت هو أنَّ هذه المُعجزات، مهما عَظُمَت، كانت عطية من الله عزَّ وجلَّ، وليست نابعة من قُوَّة النبي الذَّاتية.
في النِّهاية نسأل: لماذا تميَّز المسيح ♠ بمثل هذه المُعجزات العظيمة من إحيائه للموتى وشفائه للمرضى؟!
والإجابة ببساطة هي أنَّ مُعجزات كلّ نبيّ ورسول مُناسبة للقوم الذي بُعث فيهم حتى يفهموها ويعلموا إنَّها بالفعل مُعجزة إلهية.
فنجد في «قاموس الكتاب المُقدس» ما يلي: [كان بين اليهود قوابل وأطباء وجراحون وهكذا في أيام المسيح، وكان في الهيكل طبيب خاصّ وفي كلّ مُقاطعة طبيب وجراحّ.] (صـ572، 573). فإذا كان الطِّبّ مُشتهرًا في أيام المسيح ♠، كان مُناسباً أن تكون مُعجزاته مُتعلِّقة بالطِّبّ.
وبهذا يتبيَّن أنَّ إحياء الموتى والخلق كهيئة الطَّير ما هي إلَّا آيات أيَّد اللهُ بها رسوله المسيح ♠، كما أيَّد اللهُ عزَّ وجلَّ كلّ أنبيائه ورُسُله بآيات تثبت صدق دعوتهم، فهذه الآيات والمُعجزات ليست دليلاً على الألوهية على الإطلاق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سفر الرؤيا مشكوك فيه

. سفر رؤيا يوحنا . هذا السفر بكامله كان دوما محل خلاف بين الاباء على قانونيته واعتباره سفرا من اسفار الكتاب المقدس هذا فضلا عن انه سفر محرف...